مدونة جعفر عبد الكريم الخابوري

طيران (1- 2)

تريد السفر جواً من البحرين للعراق، لغرض التشرف بزيارة العتبات المقدسة ومقامات الأولياء الصالحين أو لأي شأنٍ آخر.

سابقاً كان الأمر سهلاً، بأن تسافر مباشرة بين البلدين، على طيراني الخليج والعراقية مثلاً. فتكون الرحلة بحرين نجف أو بحرين بغداد دون توقف. ولا تحتاج المرور ببلد ثالثٍ وسيط.

لأسبابٍ ما، نأمل أن تزول، توقفت هذه الرحلات المباشرة. والمفترض أن شركات الطيران العاملة على مسارات الطيران المباشرة هذه، خسرت هي الأخرى عوائد ليست قليلة. في حين يضطر عددٌ وازنٌ من المسافرين على هذه المسارات لاستخدام مطارات دول أخرى ثالثة، كمحطاتٍ وسيطة لسفرهم لنفس الغرض.
هكذا، ستلتحق برحلات غير مباشرة(ترانزيت) من البحرين وإليها مثلاً، مروراً بمطار دبي او الشارقة أو الكويت وغيرها. بهذا سيكون الجهد والوقت، وربما التكلفة المعتادة، أكبر وأكثر.
نعم، هناك- ممن هو على شاكلتي- من يرى في رحلات الترانزيت فرصةً لزيادة المتعة والتعلم والتعرف على أناس وثقافات اكثر.

في علم الأصول، هناك نظرية تشبه أيضاً رحلة الترانزيت، تسمى بنظرية (تعويض الأسانيد). والغرض الرئيس للنظرية محاولة معالجة ثغرات بعض الأسانيد، التي تعاني خللاً أو ضعفاً في طرقها.
يضربون مثلاً في ذلك لو أن علماً كالشيخ الطوسي، لم يكن له طريقٌ مباشر أو طريقه ضعيفٌ لتوثيق شخصٍ من رواة الحديث من أصحاب الأئمة عليهم السلام، كزرارة أو يونس ابن عبدالرحمن.
فهل يترك جميع مرويات الرجلين؟
في المقابل، هناك علمٌ آخر كالشيخ الصدوق مثلاً، يرى أن طريقه صحيحٌ لتوثيق الرجلين- أي زرارة ويونس في مثالنا.
بالتالي، وحسب نظرية تعويض الأسانيد، سيمكن للشيخ الطوسي الإعتماد على توثيق الشيخ الصدوق للرجلين والإكتفاء به والعمل بمقتضاه.

هذه لمحة وصفيٌة عاجلةٌ مبسّطة للنظرية، التي بدأت مع المولى الأردبيلي وطوّرها فيما بعد السيد الخوئي وتلميذه السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليهم جميعاً(١).

مربط الفرس، أن المُنّظِر الأول للنظرية- أي المولى الأردبيلي(٢) توفي عن عمرٍ قصيرٍ نسبياً، ناهز الثالثة والأربعين سنة فقط(٣).

الملفتُ أن الرجل قضى من عمره الشريف القصير 25 سنة(فقط) في تأليف كتابه القّيم (جامع الرواة) وكتاب آخر عنوانه (تصحيح الأسانيد).

هذا مثالٌ واحدٌ من أعلامنا، وغيضٌ من فيضِ، ممن تنعتهم أيها العبقري العظيم ب(الكهنوت).

لنرجع للطيران:
كيف تطير الطائرة؟... و
كيف تُختطف؟

يتبع، بمشيئته وعونه تعالى.
-------------------------
(١) هناك من الأعلام المعاصرين من احتمل عدول السيد الخوئي رضوان الله عليه عن النظرية لاحقاً.

(٢) قرأ على العلامة المجلسي كثيرا من العلوم الدينية والمعارف اليقينية وخاصة كتب الاخبار، فأجازه بإجازة مبسوطة في 17 ذي القعدة سنة 1098.
وتتلمذ أيضا على الشيخ جعفر بن عبد الله القاضي الكمرئي، كما صرح بذلك في كتابه جامع الرواة 1 / 153.

(٣) ولد حوالي سنة 1058 وتوفي سنة 1101 هجرية.

• مصدر الهوامش (٢)و(٣):
إجازات الحديث-العلامة المجلسي-الصفحة ١٢١
(SHIAAONLINE)