صحيفة نبض الشعب الاسبوعيه رئيس التحرير جعفر الخابوري
الخميس أغسطس 10, 2023 1:07 pm
عجيب امر هذا الانسان
رقيق حنون عطوف رؤوف جداً.. في أمريكا يتوقف المرور لأن قطة خطر لها أن تتمخطر ببطء عبر الطريق.. و يتجمع الناس حول كلب مكسور الساق وقع من الدور السابع و تتسابق البلاغات إلى بوليس النجدة و إلى جمعية الرأفة بالحيوان و إلى جمعية الكلاب الضالة و يأتي طابور من العربات و يتحرك الموكب حاملا الكلب الجريح إلى مستشفى الكلاب و يظهر النبأ في الصفحة الأولى من جرائد الإقليم و يتقاطر الزوار على الكلب الراقد في جبيرة من الجبس و ترفع جمعية الرأفة بالحيوان قضية على صاحب الكلب و يترافع محامون و وكلاء نيابة و يقرر القاضي غرامة كذا ألف دولار على الجاني المجرم الذي أهمل رعاية كلبه.
هذا الإنسان الرقيق الحنون العطوف الذي تحرك وجدانه و تحركت صحافته لكلب جريح.. هو نفسه و هو عينه الذي يلقي قنبلة ذرية على هيروشيما و ناجازاكي.. يقتل فيها و يجرح و يشوه سبعة ملايين ضحية بينما هو الإنسان القاتل المحترف مايزال مستمراً في حرفته الرهيبة، و قد تطورت صناعة الموت على يديه من قنابل ذرية إلى قنابل هيدروجينية إلى قنابل نيوترونية إلى قنابل ذرية نظيفة.. و تأملوا معي كلمة (( نظيفة )) أي تقتل قتلا نظيفاً دون أن تترك مخلفات إشعاعية
إذن فكيف نفهم هذا الانسان و هو ينتقل من النقيض إلى النقيض في لحظة.. و هو يتحول من الحنان إلى الوحشية و من العقل إلى الجنون و من الشهامة إلى الغدر و من العبقرية إلى الحمق..؟
من هو ذلك الإنسان اللغز؟..
انظر معي للانسان الاوربي المتمدين تأتيه المدنية بالعلم و وسائل الترف و الراحة و النظافة و العناية الطبية و الحياة الحافلة بالمشوقات و المشهيات و السياحات الممتعة بطول الأرض و عرضها فيقابل هذه النعمة بالعكوف على المخدرات و الإرهاب و العنف و الانتحار.
و ربما أقل من القليل.. هم أهل الكمال.. الأطهار في السر و العلن.. الأبرار يداً و قلباً و ضميراً.. أهل الثبات الذين لا يتغيرون و إن تغيرت حولهم الدنيا.. و لا يتبدلون و لو أغرتهم الغوايات و جاذبتهم المغريات.
الواحد منهم حضارة.
أما الكثرة الكثيرة فهي التي تفعل ما لا تقول و تقول ما لا تفعل و هي تتقلب مع الأحوال و الأوقات و المصالح و تتبدل مع اللحظات و تنتقل من النقيض إلى النقيض و من الموقف إلى ضدّه.
و هؤلاء هم أهل الهوى.
و أغلب الناس أهل الهوى.
و لا يقر لأهل الهوى قرار.
لأن الهوى لا يقر له قرار.
و هم مؤشر تخلف و إن لبسوا الحرير و تقنعوا بالشهادات و تفاخروا بالتكنولوجيا و الاختراعات.
فالسؤال بالنسبة للإنسان ليس ماذا جمع من مال، و لا ماذا حصّل من علم، و لا ماذا شيّد و لا ماذا اخترع.. و لكن ماذا صنع بنفسه أولا.. و هو الأساس الذي يكون به تقييم كل شيء..
و هو ما نسميه بالأخلاق.
يقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة و السلام في القرآن:
( و إنك لعلى خلق عظيم ).
لم يقل له (( و إنك لعلى علم عظيم )).
فقد رأينا العلم في أمريكا و أوروبا و روسيا و ماذا يصنع بدون خُلق..
و لهذا تحدّث القرآن عن المؤشر الحقيقي و الأزلي للعظمة الإنسانية و هو العظمة الخُلقية.. أما الأمجاد الأخرى فهي أمجاد قابلة للتقليد، ألم تقلد اليابان التكنولوجية الأمريكية في سنوات قليلة و تتفوق عليها و تزاحمها في جميع الأسواق.
فمن استطاع أن يقلد النبي في كمالاته الخُلقية.. و من استطاع أن يفوقه..؟؟
ذلك هو المعراج المستحيل على عامة الناس و جماهيرهم.. لا يصعده إلا نبي.. و لا يقوى على السير فيه إلا أفراد هم الصدّيقون و الشهداء و الأبرار و الأولياء.. و هم معدودون في كل أمة و في كل عصر.
بهم تقوم أركان الدنيا و يحفظ الله ببركتهم الأرض.
و بانقطاعهم.. يهدم الله عمارة الكون.. و يقيم القيامة.. حينما لا تبقى إلا حثالة لا تستحق أن تطلع عليها شمس.
بقلم المغفور له باذن الله الدكتور مصطفى محمود
رقيق حنون عطوف رؤوف جداً.. في أمريكا يتوقف المرور لأن قطة خطر لها أن تتمخطر ببطء عبر الطريق.. و يتجمع الناس حول كلب مكسور الساق وقع من الدور السابع و تتسابق البلاغات إلى بوليس النجدة و إلى جمعية الرأفة بالحيوان و إلى جمعية الكلاب الضالة و يأتي طابور من العربات و يتحرك الموكب حاملا الكلب الجريح إلى مستشفى الكلاب و يظهر النبأ في الصفحة الأولى من جرائد الإقليم و يتقاطر الزوار على الكلب الراقد في جبيرة من الجبس و ترفع جمعية الرأفة بالحيوان قضية على صاحب الكلب و يترافع محامون و وكلاء نيابة و يقرر القاضي غرامة كذا ألف دولار على الجاني المجرم الذي أهمل رعاية كلبه.
هذا الإنسان الرقيق الحنون العطوف الذي تحرك وجدانه و تحركت صحافته لكلب جريح.. هو نفسه و هو عينه الذي يلقي قنبلة ذرية على هيروشيما و ناجازاكي.. يقتل فيها و يجرح و يشوه سبعة ملايين ضحية بينما هو الإنسان القاتل المحترف مايزال مستمراً في حرفته الرهيبة، و قد تطورت صناعة الموت على يديه من قنابل ذرية إلى قنابل هيدروجينية إلى قنابل نيوترونية إلى قنابل ذرية نظيفة.. و تأملوا معي كلمة (( نظيفة )) أي تقتل قتلا نظيفاً دون أن تترك مخلفات إشعاعية
إذن فكيف نفهم هذا الانسان و هو ينتقل من النقيض إلى النقيض في لحظة.. و هو يتحول من الحنان إلى الوحشية و من العقل إلى الجنون و من الشهامة إلى الغدر و من العبقرية إلى الحمق..؟
من هو ذلك الإنسان اللغز؟..
انظر معي للانسان الاوربي المتمدين تأتيه المدنية بالعلم و وسائل الترف و الراحة و النظافة و العناية الطبية و الحياة الحافلة بالمشوقات و المشهيات و السياحات الممتعة بطول الأرض و عرضها فيقابل هذه النعمة بالعكوف على المخدرات و الإرهاب و العنف و الانتحار.
و ربما أقل من القليل.. هم أهل الكمال.. الأطهار في السر و العلن.. الأبرار يداً و قلباً و ضميراً.. أهل الثبات الذين لا يتغيرون و إن تغيرت حولهم الدنيا.. و لا يتبدلون و لو أغرتهم الغوايات و جاذبتهم المغريات.
الواحد منهم حضارة.
أما الكثرة الكثيرة فهي التي تفعل ما لا تقول و تقول ما لا تفعل و هي تتقلب مع الأحوال و الأوقات و المصالح و تتبدل مع اللحظات و تنتقل من النقيض إلى النقيض و من الموقف إلى ضدّه.
و هؤلاء هم أهل الهوى.
و أغلب الناس أهل الهوى.
و لا يقر لأهل الهوى قرار.
لأن الهوى لا يقر له قرار.
و هم مؤشر تخلف و إن لبسوا الحرير و تقنعوا بالشهادات و تفاخروا بالتكنولوجيا و الاختراعات.
فالسؤال بالنسبة للإنسان ليس ماذا جمع من مال، و لا ماذا حصّل من علم، و لا ماذا شيّد و لا ماذا اخترع.. و لكن ماذا صنع بنفسه أولا.. و هو الأساس الذي يكون به تقييم كل شيء..
و هو ما نسميه بالأخلاق.
يقول الله تعالى لمحمد عليه الصلاة و السلام في القرآن:
( و إنك لعلى خلق عظيم ).
لم يقل له (( و إنك لعلى علم عظيم )).
فقد رأينا العلم في أمريكا و أوروبا و روسيا و ماذا يصنع بدون خُلق..
و لهذا تحدّث القرآن عن المؤشر الحقيقي و الأزلي للعظمة الإنسانية و هو العظمة الخُلقية.. أما الأمجاد الأخرى فهي أمجاد قابلة للتقليد، ألم تقلد اليابان التكنولوجية الأمريكية في سنوات قليلة و تتفوق عليها و تزاحمها في جميع الأسواق.
فمن استطاع أن يقلد النبي في كمالاته الخُلقية.. و من استطاع أن يفوقه..؟؟
ذلك هو المعراج المستحيل على عامة الناس و جماهيرهم.. لا يصعده إلا نبي.. و لا يقوى على السير فيه إلا أفراد هم الصدّيقون و الشهداء و الأبرار و الأولياء.. و هم معدودون في كل أمة و في كل عصر.
بهم تقوم أركان الدنيا و يحفظ الله ببركتهم الأرض.
و بانقطاعهم.. يهدم الله عمارة الكون.. و يقيم القيامة.. حينما لا تبقى إلا حثالة لا تستحق أن تطلع عليها شمس.
بقلم المغفور له باذن الله الدكتور مصطفى محمود
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى